مقدمة:
العربي بن مهيدي، اسم يختزل في معناه أسمى معاني النضال والتضحية في سبيل الوطن. وُلد عام 1923 في منطقة بني شقران بالجزائر، ليصبح لاحقًا أحد أعمدة الثورة الجزائرية ضد الاستعمار الفرنسي. منذ طفولته، نشأ بن مهيدي في بيئة تحمل همّ الوطن تحت وطأة الاحتلال، ما زرع فيه روح المقاومة وحب الحرية. لم يكن مجرد قائد عسكري، بل كان رمزًا للإيمان بعدالة القضية الجزائرية وشجاعة الثوار، وهو الذي قال: "ارموا بالثورة إلى الشارع يحتضنها الشعب." هذه الكلمات أصبحت شعارًا يلخص فلسفته في الكفاح ضد المستعمر.
عرض:
بدأت رحلة بن مهيدي في النضال عندما التحق بالحركة الوطنية الجزائرية في شبابه، حيث تعلم أسس التنظيم والعمل السياسي. مع اندلاع ثورة التحرير في الأول من نوفمبر 1954، برز كواحد من القادة الستة الذين خططوا لإطلاق الثورة، وكان مسؤولًا عن المنطقة الخامسة (وهران). أثبتت قيادته الفذة وشخصيته الكاريزمية أنه قائد فريد من نوعه، قادر على توحيد صفوف الثوار وإلهامهم بالصمود.
لعب العربي بن مهيدي دورًا محوريًا في معركة الجزائر عام 1957، حيث أشرف على العمليات الفدائية في العاصمة. عُرف بقدرته على تنظيم الخلايا السرية وتعبئة الشعب لدعم الثورة. وخلال هذه المعركة، أظهر براعة كبيرة في التخطيط، حيث نجحت العمليات التي أشرف عليها في ضرب المستعمر في عمق المدن، مما أزعج السلطات الفرنسية ودفعها إلى تكثيف حملاتها القمعية.
لم يكن العربي بن مهيدي قائدًا عسكريًا فحسب، بل كان مفكرًا ثوريًا يؤمن بدور الشعب في نجاح الثورة. عمل على تعزيز الروح الوطنية بين الجزائريين، مُلهِمًا إياهم بأن الحرية لا تُمنح، بل تُنتزع بالنضال والتضحيات. كان يؤمن أيضًا بأن الثورة ليست فقط معركة بالسلاح، بل هي معركة أخلاقية ضد الظلم والاستبداد.
في فبراير 1957، ألقت القوات الفرنسية القبض على العربي بن مهيدي بعد حملة واسعة النطاق. ورغم التعذيب الوحشي الذي تعرض له على يد المستعمر، ظل صامدًا ورافضًا الكشف عن أسرار الثورة. حاولت السلطات الفرنسية كسر عزيمته، لكنها واجهت إرادة لا تلين. في النهاية، اغتيل بدم بارد بعد محاكمة صورية، وزعمت فرنسا أنه انتحر في زنزانته، إلا أن الحقيقة انكشفت لاحقًا.
خاتمة:
العربي بن مهيدي لم يكن مجرد اسم في تاريخ الجزائر، بل كان رمزًا خالدًا يمثل قيم النضال والكرامة. شكّلت حياته واستشهاده مصدر إلهام للأجيال الجزائرية، ورسالة واضحة بأن الحرية تستحق كل التضحيات. إن سيرته ليست مجرد قصة بطل وطني، بل درس في الشجاعة والتفاني من أجل المبادئ. اليوم، يظل العربي بن مهيدي أيقونة خالدة للثورة الجزائرية وشاهدًا على معاناة شعب طامح للحرية والاستقلال.